تحقيقات

عندما تُحوِّل برامج التجسس الهواتف إلى أسلحة…“النقرة الصفرية” وتهديد المراسلين والمصادر وحرية الصحافة العالمية/ فريد غوترل

CPJ

ليس من المستغرب أن يتعرض الصحفيون أو الناشطون إلى التجسس من قبل الحكومات أو العصابات الإجرامية التي تخشى أن يُفضح أمرها أو تُشوه سمعتها. بيد أن تطوير برامج التجسس المتقدمة التي تستخدم تقنية “النقرة الصفرية” بات يُشكل أزمة وجودية للصحافة ومستقبل حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم.

لطالما كانت عايدة علمي حذرة من تعرضها للتجسس. وبوصفها صحافية من المغرب، وهي دولة لها سجل حافل في التنصت على المكالمات الهاتفية ورسائل المنافسين السياسيين والنشطاء والصحافيين، اعتادت على اتخاذ الاحتياطات لحماية مصادرها. فقد تجنبت استخدام كلمات رئيسية معينة والأسماء الكاملة في اتصالاتها، وأجرت مقابلات عبر تطبيق “سيغنال” (Signal)، وهو تطبيق مراسلة يقوم بتشفير المحتويات قبل إرسالها من الهاتف. تقول عايدة خلال مقابلة أجرتها مع “لجنة حماية الصحافيين”، “لبعض الوقت، شعرنا بالأمان حقاً على تطبيق سيغنال”.

تبدد هذا الشعور بالأمان من استخدام خاصية التشفير التام بين الطرفين عام 2019، عندما أعلنت شركة “فيسبوك” المالكة لتطبيق “واتساب” عن وجود ثغرة أمنية تسمح للمخترقين بالتسلل إلى الهواتف الذكية ببساطة، عن طريق الاتصال بالشخص المستهدف عبر تطبيق المراسلة، دون أن يضطر إلى النقر فوق أي رابط.

ثمة ادعاءات بأن السلطات المغربية استغلت هذا الخلل الذي تم إصلاحه الآن للوصول بسرية إلى هواتف الصحافيين والنشطاء، بما في ذلك الصحافي المغربي أبو بكر الجامعي، الحائز “جائزة لجنة حماية الصحافيين الدولية لحرية الصحافة” لعام 2003.

يستخدم تطبيق “واتساب”، شأنه في ذلك شأن تطبيق “سيغنال”، خاصية التشفير التام بين الطرفين، لتشفير المكالمات والرسائل والتسجيلات والصور ومقاطع الفيديو، سواء أثناء الإرسال أو على خادم الشركة، وهي ميزة أمنية مهمة تمنع الحكومات من اعتراض الاتصالات أو استغلالها بصورة قانونية. بيد أن البيان الذي أصدرته شركة “فيسبوك” كشف أنه يمكن تثبيت برامج التجسس على أي هاتف عبر أي تطبيق.

حينها أدركت علمي أن جميع التدابير الاحترازية التي اعتادت على اتباعها لم تعد تجدي نفعاً الآن، قالت “كان ذلك مخيفاً حقاً”.

منذ ذلك الحين، واصلت علمي الكتابة وإعداد التقارير لصحيفة “نيويورك تايمز” وغيرها من المنشورات. إلا أن العمل تحت التهديد المستمر بالمراقبة والتعرض للتجسس جعل مهمتها أصعب بكثير. وقد أعربت عن ذلك بقولها، “أعلم تمام العلم أن الكثير من الناس يخشون التحدث معي”. مضيفةً، “يخشى كثيرون من الكتابة إليّ، فهم خائفون من أن يكون هاتفي مراقباً. الواقع هو أنك تشعر بالارتياب طوال الوقت. وتعتقد أن ثمة شخصاً آخر يقرأ محادثاتك”.

ليس من المستغرب أن يتعرض الصحفيون أو الناشطون إلى التجسس من قبل الحكومات أو العصابات الإجرامية التي تخشى أن يُفضح أمرها أو تُشوه سمعتها. بيد أن تطوير برامج التجسس المتقدمة التي تستخدم تقنية “النقرة الصفرية” -وهي تلك البرامج التي تسيطر على الهاتف دون معرفة المستخدم أو تفاعله- بات يُشكل أزمة وجودية للصحافة ومستقبل حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم.

وجدت “لجنة حماية الصحافيين”، خلال المقابلات التي أجرتها مع المراسلين وخبراء التكنولوجيا والمدافعين عن حرية الصحافة في دول عدة، أن الخوف من المراقبة يمتد إلى ما هو أبعد من أولئك القادرين على إثبات أن هواتفهم تعرضت للاختراق. فقد كان لهذه الهجمات- أو مجرد احتمال وقوعها- بالفعل تأثير مخيف على المصادر، الذين يخشون أن تؤدي محادثاتهم مع المراسلين إلى تعرضهم للانتقام من السلطات. وصرح صحافيون لـ”لجنة حماية الصحافيين”، بأنهم لا يشعرون بالقلق على سلامتهم الشخصية فحسب، بل أيضاً على الأصدقاء وأفراد الأسرة الذين قد يكونون مستهدفين معهم. وأعرب رؤساء في عدد من غرف الأخبار أنهم يتخذون احتياطات أمنية إضافية عند مناقشة خطط تغطية الأحداث. فقد أدى إدراكهم أنه يمكن التنصت على أي صحافي دون علمه إلى وجود إحساس عميق بالعجز لديهم، ربما يدفع كثيرين إلى ترك المهنة أو عدم اختيار هذا المجال من البداية. قال جون سكوت رايلتون، كبير الباحثين في مختبر “سيتزن لاب” (Citizen Lab) التابع لجامعة تورنتو، لـ”لجنة حماية الصحافيين”، “إن العنف ضد الصحافيين في تزايد مستمر، وكذلك التهديدات الرقمية. فالضرر الناجم عن برامج التجسس مثل بيغاسوس، يساهم في تصاعد العنف”.

لعل برنامج “بيغاسوس” الذي طورته شركة “إن إس أو غروب” الإسرائيلية، أشهر برنامج تجسس للهواتف المحمولة. وعلى غرار برامج التجسس الأخرى، يعمل هذا البرنامج من خلال اختراق الهواتف الذكية، ولكنه يمنح المتسلل إمكانية السيطرة الكاملة على الجهاز بحرية- والوصول إلى الميكروفون والكاميرا، وأي ملفات أو صور مخزنة على الهاتف، وأي اتصالات بالشبكة، والمعلومات عن جهات الاتصال، والرسائل، وتاريخ التصفح، وكلمات المرور، وحسابات البريد الإلكتروني، والتسجيلات، وما إلى ذلك. يمكن للجهة التي تشتري هذا البرنامج الاستماع إلى المحادثات، حتى تلك التي تجرى عبر تطبيقات المراسلة المشفرة مثل تطبيق سيغنال، وكل ذلك دون أن يعرف المستهدفون أن هواتفهم قد تحولت إلى أدوات مراقبة وتجسس.

ربما يكون أحد أكثر الجوانب إثارةً للقلق في الجيل الجديد من برامج التجسس هو أن أساليب الدفاع القديمة لم تعد تعمل. إذ يمكن أن تتم عملية الاختراق باستخدام تقنية “النقرة الصفرية”؛ والتي تسمح لبرنامج التجسس بتثبيت نفسه على الهاتف دون الحاجة إلى أن يقوم الشخص المستهدف بفتح رابط معين أو تنزيل ملف مرفق. كل ما يتطلبه الأمر لاختراق دفاعات الهاتف هو مكالمة دون الرد عليها أو رسالة نصية غير مرئية. أما الإجراءات الاحترازية مثل التشفير فلم تعد سوى حماية جيدة ضد المخترقين، الذين يعترضون الرسائل مثل الرسائل النصية أو رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات الصوتية بعد إرسالها من الهاتف. عندما تسيطر برامج التجسس على الهاتف، يمكنها التنصت على المكالمات قبل التشفير، تماماً مثل قراءة رسالة بالوقوف خلف الكاتب قبل وضعها في ظرف مغلق.

في تموز/ يوليو 2021، وجد مشروع “بيغاسوس” أرقام هواتف لأكثر من 180 صحافياً في قائمة يبدو أنها تضم أهداف محتملة لبرامج التجسس بيغاسوس الذي يمكن أن يحول هواتفهم المحمولة إلى أجهزة تنصت. تنفي شركة “إن إس أو غروب” أي صلة بقائمة المشروع، وصرحت أنها تبيع منتجاتها بشكل حصري إلى الحكومات المشهود لها بهدف منع الجريمة أو الإرهاب.

بيد أن الخبراء يرون أن “بيغاسوس” ما هو إلا غيض من فيض قطاع تقنيات المراقبة وأنظمة التجسس الخاص الذي بات يُمكن الآن أي دولة -أو نظرياً أي منظمة أو فرد-  لديها الملايين اللازمة لدفع ثمن الخدمة، من الحصول على برامج التجسس المتقدمة. يقول مايكل كريستي، المدير العام للخدمات اللوجستية العالمية والأمن في وكالة “رويترز” العالمية للأنباء، لـ”لجنة حماية الصحافيين”، “لم يعد الأمر يقتصر على الدول العظمى والقوى السيبرانية الفائقة، بل امتد ليشمل أي شخص يريد معرفة مع من يتحدث المراسلون، ومن هم مصادرهم، ومن أين يحصلون على معلوماتهم”.

الخوف يمتدّ إلى المصادر

قال الصحافي الاستقصائي زابولكس باني، الذي نشر الأخبار التي تفيد بأن الحكومة المجرية قد اشترت برنامج التجسس بيغاسوس وتعرض هو نفسه للتجسس، خلال مقابلة مع “لجنة حماية الصحافيين”، “بالطبع، أجد صعوبة أكبر بكثير في الاجتماع والتواصل مع المصادر، التي تخشى بشكل متزايد من المتاعب التي قد أجلبها إلى حياتهم”. وأضاف، “الخوف الأكبر الآن بين الصحافيين المجريين هو أن هذا الأمر (بيغاسوس)، سيكون له تأثير مخيف على المصادر، ومن المفارقات أن هذه التغطية الهائلة سوف تعيق عملنا على المدى البعيد”.

الصحافيون في دول عدو لديهم المخاوف ذاتها، فبالنسبة إلى كثيرين، كان تعرضهم للاختراق ببرامج التجسس مقدمة للمضايقات والسجن باتهامات زائفة بل وأسوأ من ذلك في بعض الأحيان. فقد ذكرت صحيفة “الغارديان” أنه في الوقت الذي قُتل فيه جمال خاشقجي، كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” وقطعت أوصاله في قنصلية المملكة العربية السعودية في اسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر 2018، تم استهداف هواتف تخص زملاءه المقربين وعائلته ببرنامج التجسس “بيغاسوس”. من جهة أخرى، ذكرت صحيفة “الغارديان” أيضاً، أن الصحافي المكسيكي المستقل سيسيليو بينيدا خضع للمراقبة ببرنامج التجسس قبل شهر من اغتياله عام 2017.

قال سيدارت فاراداراجان، أحد مؤسسي موقع “ذا وير” (The Wire) الإخباري في الهند، خلال مهرجان الصحافة الدولي الذي يعقد في بيروجيا، إيطاليا، في نيسان/ أبريل الماضي، “يُمثل هذا الأمر في المقام الأول اعتداء على حرية الصحافة. لأنه عندما تستخدم بيغاسوس أو تستغل برامج التجسس ضد الصحافيين، فمن الواضح أنك تعتزم عرقلة العمل الذي يقومون به”.

برامج تجسس للإيجار

أوضح إتيان ماينييه، الباحث الأمني في منظمة العفو الدولية، لـ”لجنة حماية الصحافيين”، أن شركات برامج التجسس الخاصة موجودة على الساحة منذ أكثر من عقد، إلا أنها لم تقم سوى بعمليات صغيرة إلى حد كبير. في حين شهد ظهور شركة “إن إس أو” زيادة في نطاق عمل تلك الشركات، ما جذب المستثمرين إلى سوق برامج التجسس. وفي العام الماضي، كانت شركة “إن إس أو” تدرس طرح أسهمها للتداول العام.

في حين أدى إصدار “مشروع بيغاسوس” وهو تعاون استقصائي بين شبكة “فوربيدن ستوريز” (Forbidden Stories) و”منظمة العفو الدولية” و17 منبراً إعلامياً عالمياً، إلى إحباط هذه المخططات. فقد حصلت المجموعة الصحافية على قائمة مسربة تضم 50 ألف رقم هاتف للأهداف المحتملة لعملاء شركة “إن إس أو”. وتمكنوا من التعرف إلى حوالى ألف شخص كانت أرقام هواتفهم مدرجة في القائمة، من بينهم 189 صحافياً. واختاروا 67 شخصاً اعتقدوا أنهم على الأرجح تعرضوا للاختراق. قام مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية بفحص الهواتف، وبحلول تموز/يوليو 2021، عثر على أدلة تؤكد تعرض 23 هاتفاً للاختراق بالفعل ومحاولة اختراق 14 هاتفاً آخر؛ وواصل عدد الهواتف المخترقة تزايده. وكان من بين هؤلاء رؤساء دول ووزراء وديبلوماسيون وضباط أمن عسكريون وصحافيون من أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم.

بعد صدور التقرير، أضافت وزارة التجارة الأميركية شركة “إن إس أو” إلى قائمة الشركات التي تفرض عليها قيود التصدير، ما عرقل آمال الشركة في طرح أسهمها للتداول العام. (لجنة حماية الصحافيين هي جزء من تحالف لجماعات حقوق الإنسان وحرية الصحافة تطالب الحكومة الأميركية بإبقاء شركة “إن إس أو غروب” على قائمة الحظر تلك وتحمل الحكومة مسؤولية توفير برنامج التجسس “بيغاسوس” للحكومات التي تستخدمه للتجسس بسرية على الصحافيين). وقد قدر المستثمرون الشركة في السابق بمليار دولار، إلا أنه وفقاً لسجلات محكمة لندن كما ورد في صحيفة “فاينانشيال تايمز” في نيسان/ أبريل، باتوا يعتبرونها “عديمة القيمة”. وفي تموز/ يوليو، تخلت شركة “إل 3 هاريس” (L3Harris)، وهي شركة تكنولوجيا أميركية ومقاول دفاعي، عن مساعيها لشراء شركة “إن إس أو”؛ وفي آب/ أغسطس، استقال الرئيس التنفيذي للشركة كجزء من عملية إعادة تنظيم داخلية.

ومع ذلك، لا تزال صناعة برامج التجسس، التي تشمل أيضاً شركات مثل “كانديرو” (Candiru) و”سيتروكس” (Cytrox) و”آر سي إس لابز” (RCS Labs)، مستمرة في العمل. في حزيران/ يونيو، حذر الباحثون في شركة “غوغل” الضحايا في كازاخستان وإيطاليا من أنهم مستهدفون من برنامج متطور معروف باسم “هيرميت” (Hermit)، من تطوير شركة “آر سي إس لابز”، والذي يمكن أن يتجاوز مجرد سرقة البيانات إلى تسجيل وإجراء المكالمات. “يوضح ظهور برنامج التجسس “هيرميت” كيف أن الجهات الفاعلة التي تقدم تقنيات التجسس- التي تعمل غالباً ككيانات ترعاها الدولة- تتحول إلى استخدام تقنيات وتكتيكات تجسس جديدة في أعقاب التبعات الشديدة بسبب استخدام الأنظمة القمعية لبرنامج التجسس بيغاسوس الذي تطوره شركة “إن إس أو غروب” الإسرائيلية في الهجمات السيبرانية ضد المنشقين والنشطاء والمنظمات غير الحكومية، فضلاً عن قتل الصحافيين”، بحسب ما ذكره موقع أخبار الأمن السيبراني “ثيرت بوست” (Threatpost).

تخترق برامج التجسس التي تستخدم تقنية “النقرة الصفرية” الهواتف الذكية من خلال استغلال العيوب في برامج الهواتف. ويعد الأكثر رواجاً بينها هو هجوم “يوم الصفر”، وهو مصطلح يشير في الأصل إلى عدد الأيام منذ إطلاق المنتج، ولكنه أصبح يعني أي عيب في الجهاز لا يعرفه المُطور وبالتالي لم يتخذ أي إجراء لإصلاحه. تنشأ العيوب بشكل أساسي، لأن الهواتف الذكية مصممة للتفاعل بسهولة مع العالم الخارجي. فضلاً عن أنها معقدة للغاية. فأحدث الرقائق التي تستخدمها شركة آبل في هواتفها الذكية “آي فون” على سبيل المثال، تحتوي على 16 مليار مكون مادي (ترانزستورات)، علاوة على طبقات من البرامج المعقدة للغاية التي تحكم العمليات الأساسية للأجهزة، وتنسق جميع التطبيقات واتصالات الشبكة الخليوية وشبكة الـ”واي فاي”، وتنظم التدفق المستمر للبيانات إلى الهاتف وخارجه. ومن المحتم عندما يُطرح هاتف جديد في السوق أن تكون فيه نقاط ضعف أمنية- يوم الصفر- والتي تُعد في نظر المخترقين أشبه بالأبواب التي تترك بلا أقفال.

تبحث شركتا “آبل” و”غوغل”، وغيرهما من الشركات المصنعة للهواتف الذكية على نحو مستمر عن ثغرات “يوم الصفر”، وتدفع للمخترقين مقابل الاستدلال عليها. في حين بإمكان المخترقين كسب المزيد من المال من خلال بيع الثغرات الأمنية تلك و”برمجيات الاستغلال” -وهي برمجيات تستغل الثغرات الأمنية لاختراق أنظمة الأمان في الهاتف- للوسطاء. تُدفع أعلى الأسعار مقابل نقاط الضعف “شديدة الخطورة”- تلك التي يمكن أن تسبب أكبر قدر من الضرر لسلامة الهاتف. فقد أعلنت شركة “زيروديوم” (Zerodium)، وهي شركة متخصصة في ثغرات “يوم الصفر” مقرها في واشنطن العاصمة، على موقعها الإلكتروني عن مكافآت تصل إلى 2.5 مليون دولار، مقابل “الثغرات الأمنية عالية الخطورة مع برمجيات استغلال تعمل بكفائه”. وتقدم شركات برامج التجسس مثل شركة “إن إس أو” برمجيات الاستغلال هذه لعملائها من الحكومات.

الأثر على الصحافيين

يبدو أن نمو هذه الصناعة أدى إلى زيادة المراقبة السرية على زعماء المعارضة والنشطاء والصحافيين، كما وثق “مشروع بيغاسوس” وغيره من التقارير الصادرة عن منظمة العفو الدولية و”سيتيزن لاب” ومنظمات أخرى. وفي ظل صعوبة التأكد من عمليات الاختراق ببرامج التجسس، من الصعب تحديد الإحصاءات الدقيقة. وعلى صعيد الإعلام، ربما تم استهداف بعض الصحافيين غير الاستقصائيين، لأنهم كانوا على اتصال بمصادر خاضعة بالفعل للمراقبة. بيد أن الأهداف الأكثر عرضة تتمثل في الصحافيين الذين كتبوا مقالات مزعجة للحكومات الاستبدادية، مثل فضح الفساد.

في المغرب، على سبيل المثال، أفاد “مشروع بيغاسوس” بأن الصحافي سليمان الريسوني خضع للمراقبة قبل أن يصبح رئيس تحرير جريدة “أخبار اليوم”، وهي إحدى الصحف المستقلة القليلة في البلاد. ويمضي حالياً عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة الاعتداء الجنسي، والتي يعتقد أنصاره أنها ملفقة. أما المحرر الذي حل محله الريسوني، وهو توفيق بوعشرين، فقد أفادت تقارير بأنه مدرج أيضاً على قوائم المراقبة. ويمضي بوعشرين حالياً عقوبة بالسجن لمدة 15 عاماً بتهم عدة، تتعلق بجرائم جنسية يعتقد صحافيون محليون ومدافعون عن حرية الصحافة أنها بدافع الانتقام بسبب مقالاته النقدية. لم تتمكن شبكة “فوربيدن ستوريز” من الوصول إلى هواتفهم لتأكيد وجود برامج تجسس، في حين نفت الحكومة المغربية استخدام برنامج بيغاسوس على الإطلاق، بيد أن أسماء موسوي، زوجة بوعشرين، تعتقد أنها تأكدت أن هاتفها كان يخضع للمراقبة بعد أن نشرت إحدى الصحف المحلية الصفراء تقارير بناءً على معلومات كاذبة كانت قد استخدمتها عمداً في مكالماتها للإيقاع بهم.

أدى عدم وجود تنظيم في الصناعة إلى جعل من المستحيل منع إساءة استخدام برامج التجسس. وقد رفض حاييم جيلفاند، المستشار العام لشركة “إن إس أو غروب”، ذكر أسماء عملاء محددين عندما ألقى كلمة أمام لجنة التحقيق في برامج التجسس التابعة للبرلمان الأوروبي في حزيران/ يونيو، لكنه شدد على أن الشركة لا تبيع بيغاسوس إلا للحكومات الشرعية، وقال إن الشركة أنهت عقود مع ثماني دول في السنوات الأخيرة، وقد حدثت بعض عمليات الإلغاء هذه بعد نشر “مشروع بيغاسوس”. وقال مخاطباً أعضاء البرلمان، “يباع النظام لإنقاذ الأرواح [ولكن] كل شيء يمكن أن يُساء استخدامه”.

ثمة أدلة كثيرة تشير إلى أن بعض الذين خضعوا للمراقبة تم استهدافهم لأسباب سياسية: على ما يبدو لأنهم سياسيون أو نشطاء معارضون أو في حالة الصحافيين لأن عملهم قد يكون محرجاً للسلطات.

في الهند، على سبيل المثال، وجد “مشروع بيغاسوس” آثاراً لبرامج التجسس على هواتف اثنين من المحررين المؤسسين لموقع “ذا وير”، وهما سيدارت فاراداراجان وأم كيه فينو، وتم تحديد أربعة آخرين يكتبون للموقع الإخباري كأهداف محتملة. لطالما كان موقع “ذا وير” شوكة في خاصرة القيادة لأنه ربط “حزب بهاراتيا جاناتا” القومي الهندوسي الحاكم بمزاعم الفساد، والترويج للعنف الطائفي، واستخدام التكنولوجيا لاستهداف منتقدي الحكومة على الإنترنت. طاردت تحقيقات الشرطة ودعاوى التشهير الجنائية والتهديدات العاملين في الصحيفة، لا سيما في الولايات التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا.

أدى الكشف عن برامج التجسس في الهند إلى زيادة المخاوف من المراقبة إلى مستويات جديدة. فقد أعرب صحافيون مرتبطون بموقع “ذا وير” للجنة حماية الصحافيين، أن ما تم كشفه جعلهم أكثر حذراً. وقال أجوي أشيرواد مهابراشاستا، المحرر السياسي للموقع، “لم نعد نتحدث (عن القصص الحساسة) على الهاتف”. مضيفاً “حتى عندما كنا نجتمع، كنا نبقي هواتفنا في غرفة منفصلة”. وبرغم أن اجتماعات هيئة تحرير موقع “ذا وير” تُعقد بانتظام من خلال تطبيق “غوغل مييت” (Google Meet)، فإن القصص الحساسة تناقش بشكل شخصي.

في حين تنفي الحكومة الهندية تورطها في عمليات مراقبة غير مصرح بها، لكنها لم تعلق مباشرة على تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في كانون الثاني/ يناير يفيد بأنها حصلت على برنامج التجسس بيغاسوس من إسرائيل عام 2017، ولم تتعاون مع تحقيق مستمر تجريه لجنة خبراء عينتها المحكمة العليا في البلاد للتحقيق في الاستخدام غير القانوني لبرامج التجسس. وفي أواخر آب/ أغسطس، كشفت المحكمة أن اللجنة عثرت على برمجيات خبيثة في خمسة من أصل 29 جهازاً فحصتها، إلا إنها لم تتمكن من التأكد أنها “بيغاسوس”.

قالت سواتي شاتورفيدي، الصحافية الاستقصائية المدرجة في قائمة المستهدفين، إن شاغلها الشاغل مباشرة بعد الكشف عن هذه المعلومات كان حماية مصادرها. وأوضحت للجنة حماية الصحافيين، أنه “في دلهي، لم يعد كل من أعرفه في موقع السلطة يتحدث خلال المكالمات العادية”.

أما خارج غرفة الأخبار، فقد أثر الكشف عن عمليات التجسس على عائلات الصحافيين وأصدقائهم. فقد قالت عارفة خانم شيرواني، التي تبث برامج موقع “ذا وير” على موقع “يوتيوب”، والتي تُعرف بانتقادها سياسات اليمين الهندوسي، “بعد بيغاسوس، لم يعد يشعر أصدقائي وأفراد عائلتي بالأمان الكافي للاتصال بي أو قول شيء ما عن الحكومة بشكل عفوي”.

يشعر الصحافيون بقلق مماثل في مناطق أخرى حول العالم. ففي الشرق الأوسط، وظفت الحكومات استثمارات ضخمة في تكنولوجيا المراقبة والتجسس، بعدما اندلعت احتجاجات الربيع العربي قبل أكثر من عقد. وعلى وجه الخصوص، أصبحت إسرائيل والإمارات العربية المتحدة مراكز إقليمية لصناعة برامج التجسس الناشئة. وفي الوقت نفسه، أقرت السلطات الحاكمة في مختلف أنحاء المنطقة قوانين “الجرائم الإلكترونية”، بدعوى الحد من انتشار المعلومات المضللة أو خطاب الكراهية. غير أن تلك القوانين يكتنفها الغموض بالقدر الكافي لكي تشمل الصحافة التي لا تروق للمسؤولين.

وفي السنوات الأخيرة، ظهرت قضايا بارزة ضمن هجمات برامج التجسس ضد المراسلين الدوليين والصحافيين المحليين البارزين وكتاب الأعمدة المعروفين مثل خاشقجي. وقد حدد “سيتزن لاب” العشرات من مشغلي برامج التجسس المحتملين في جميع أنحاء المنطقة، لا سيما في الخليج، ويقدر أن المنطقة بها أكبر عدد من الاختراقات ببرامج التجسس في العالم.

وفي الأردن، كانت سهير جرادات واحدة من صحافيين اثنين كانا هدفاً لهجوم ببرنامج التجسس بيغاسوس من قبل جهة غير معروفة، بحسب ما نُشر في وقت سابق من هذا العام. وقامت منظمة “فرونت لاين ديفندرز”، وهي مجموعة دولية معنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، بالتعاون مع “سيتزن لاب” بفحص هاتفها وتوصلوا إلى أنه تعرض للاختراق 6 مرات عام 2021. وقالت جرادات، التي تغطي تحقيقاتها الصحافية اعتقالات الشخصيات السياسية المعارضة، خلال مقابلة مع لجنة حماية الصحافيين، إنها تعتقد أن من بدأ الهجمات كان يبحث عن هويات مصادرها؛ وفي مؤتمر للأمن السيبراني عقد في شباط/ فبراير، علمت أن هاتفها قد تعرض للاختراق من جديد.

نظراً إلى أنه يكاد يكون من المستحيل العثور على أدلة دامغة تشير إلى الجهة التي نفذت بالهجوم، فإن ذلك يُعد أحد أكثر الجوانب الشائكة التي تخيم على عمليات الاختراق بشكل عام وبرامج التجسس التي تستهدف أجهزة الهواتف المحمولة على وجه الخصوص. لكن ما يبقى هو أدلة ودوافع ظرفية. على سبيل المثال، نفت السلطات في الأردن استخدام بيغاسوس. في حين قالت جرادات، “في الأردن، ذكرت السلطات من قبل أنها لا تستخدم برامج التجسس هذه، بينما تعرض بعض الأشخاص داخل الديوان الملكي أيضاً للهجوم. إذاً من هو وراء هذه الهجمات؟”.

في أواخر عام 2018، نشر “سيتزن لاب” تقريراً كشف أيضاً عن أدلة على وجود بيغاسوس في جميع أنحاء أفريقيا، بما في ذلك ساحل العاج وأوغندا وكينيا ورواندا وزامبيا وجنوب أفريقيا ومعظم دول شمال أفريقيا. قال الصحافي التوغولي كوملانفي كيتوهو، بعدما أفاد “مشروع بيغاسوس” العام الماضي بأن رقم هاتفه ربما تعرض للمراقبة المحتملة، “أمضيت ليالي مرعبة أفكر في جميع أنشطة هاتفي، حياتي الخاصة ومشكلاتي الشخصية باتت في أيدي الغرباء”. لم يتم تأكيد استخدام بيغاسوس على هواتف ثلاثة مراسلين من توغو، إلا أن ذلك ل لم يفعل شيئاً يذكر لتهدئة مخاوفهم. في حديثهم إلى لجنة حماية الصحافيين بعد مضي 12 شهراً على صدور تقرير “مشروع بيغاسوس”، قالوا إن احتمال خضوعهم للمراقبة لا يزال يولد لديهم شعوراً مستمراً بالارتياب ويعيق اتصالاتهم بالمصادر. قال فرديناند أييتي، رئيس صحيفة “لأرترنيتيف” (L’Alternative) التوغولية، “هناك نوع من الخوف الدائم. فقد أصبحت المصادر تعاملنا بشكل مختلف. وبات كثر يترددون في تلقي مكالماتنا الهاتفية”.

في المكسيك – وهي واحدة من أخطر دول العالم على الصحافيين – أنفقت الوكالات الفيدرالية أكثر من 61 مليون دولار على “بيغاسوس” وحده، وما يصل إلى 300 مليون دولار على تكنولوجيا المراقبة بين عامي 2006 و2018، وفقاً لتصريحات وزيرة السلامة العامة الفيدرالية روزا إيتشيلا رودريغيز عام 2021. ظهرت كشوفات جديدة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، عندما وجد تحقيق مشترك أجرته ثلاث مجموعات حقوقية مقرها المكسيك و”سيتزن لاب” دليلاً على وجود برنامج بيغاسوس على أجهزة اثنين من الصحافيين المكسيكيين، وأحد المدافعين عن حقوق الإنسان بين عامي 2019 و2021؛ وهذا الاختراق حدث بعد وعد الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيس أوبرادور في 2018 بإنهاء الرقابة غير القانونية. نفى لوبيس أوبرادور في 4 تشرين الأول أن تكون إدارته قد استخدمت نظام بيغاسوس للتجسس على الصحافيين والنشطاء الحقوقيين.

كما أنكرت الإدارة المكسيكية السابقة استخدام التكنولوجيا للتجسس على صحافيين بارزين؛ من بينهم المراسلة الاستقصائية كارمن أريستيجوي، وأشخاص مقربون منها، وجريسيلدا تريانا، أرملة الصحافي خافيير فالديز، الذي قُتل في سينالوا في أيار/ مايو 2017، إضافة إلى صحافيين من مجلة RíoDoce التي شارك في تأسيسها.

أما في أميركا اللاتينية، فقد وجدت “شبكة الصحافيين الدوليين: أن كل دولة تقريباً قد اشترت أو أفصحت عن رغبتها في الحصول على تراخيص لتقنيات المراقبة على مدار العقد الماضي. بينت مجموعة من المستندات المسربة التي نشرتها ويكيليكس عام 2015، ونُشرت خلاصتها في تقرير عام 2016 من منظمة الحقوق الرقمية ديريكوس ديجيتالز- ومقرها تشيلي- أن 13 دولة في المنطقة اشترت تراخيص من شركة Hacking Team أو تواصلت معها، وهي شركة إيطالية- غير نشطة الآن- تبيع برمجيات ضارة متخصصة في المراقبة إلى المسؤولين الحكوميين في جميع أنحاء العالم.

في كانون الثاني/ يناير 2022، أكد تحقيق أجرته منظمة Access Now- وهي منظمة عالمية للحقوق الرقمية- و”سيتزن لاب”، بالتعاون مع “فرونت لاين ديفندرز” ومنظمات أخرى، وقوع 35 حالة تجسس باستخدام برنامج بيغاسوس على هواتف صحافيين وأعضاء في المجتمع المدني في السلفادور وبين حزيران/ يونيو 2020 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2021. حدثت القرصنة في الوقت الذي كان فيه الصحافيون والنوافذ الإعلامية تغطي قضايا سياسية حساسة تتعلق بإدارة الرئيس نجيب بوقيلة، بحسب ما ورد في التقرير.

قال غاسبار بيسانو، مدير سياسات ومناصرة أميركا اللاتينية في Access Now لـ”لجنة حماية الصحافيين”، في مقابلة معه: “إن تكنولوجيا المراقبة خطيرة للغاية في أمريكا اللاتينية بسبب الافتقار المطلق للشفافية؛ فلا توجد طريقة لمعرفة التكنولوجيا المستخدمة أو كيفية استخدامها. ولا نملك إحصاءات، ولا دراية بنوعية البيانات التي يُتوصل إليها، ولا من المسؤول عن هذه البرامج، وما نوع العقود التي يعملون بموجبها. سواء كانت حكومة ديمقراطية أو استبدادية، فلا نستطيع معرفة أي مما سبق”.

بينما يتزايد تركيز العناوين الرئيسية على المراقبة غير القانونية واستخدام برامج التجسس لاستهداف الأفراد البارزين، تشير مصادر لجنة حماية الصحافيين إلى أن المنطقة الرمادية بين ما هو قانوني وما هو غير قانوني تترك مساحة واسعة لإساءة استخدام السلطات. قالت فيريديانا أليمونتي، المديرة المساعدة لسياسة أمريكا اللاتينية في مجموعة الحقوق الرقمية الأميركية Electronic Frontier Foundation، إن “القوانين المتعلقة بالوصول إلى المعلومات لها استثناءات واسعة جداً متعلقة بمخاوف الأمن القومي”، وهو ما يسمح للمسؤولين بتسويغ ممارساتهم الرقابية مع إشراف ضئيل نسبياً.

وقالت أنجيلا ألاركون، الناشطة في منظمة Access Now لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، “حتى إمكانية استخدام هذه الأدوات تؤثر على الصحافيين ووسائل الإعلام والمجتمع بأكمله؛ فالصحافيون سوف ينخرطون في عملية من الرقابة الذاتية، ومن ثم يتوجب عليهم الاستثمار في وسائل تواصل أخرى، وأدوات وقنوات أكثر أماناً، ودعم الصحة النفسية. إنها تؤثر في عمل الصحافيين وأموالهم ودوافعهم”.

وفي المجر، أخبر صحافيون “لجنة حماية الصحافيين” أن ترتيب الاجتماعات مع المصادر أصبح أبطأ وأكثر تعقيداً. كما أصبحت المصادر أكثر تردداً وعزوفاً عن الاجتماع. غالباً ما تجرى المقابلات في الهواء الطلق مع ترك الهواتف المحمولة بعيداً من المكان. اكتشف باني، الصحافي الاستقصائي في المنفذ الإعلامي الهنغاري Direkt36، من منظمة العفو الدولية، أنه تعرض للاختراق ببرنامج بيغاسوس لمدة ستة أشهر. وأجرى بعد ذلك تحقيقات في اختراق أهداف إعلامية بارزة أخرى، منها بما زولتان فارجا، المستثمر ومالك أكبر موقع إخباري مستقل في البلاد؛ 24.hu.

بدأت مراقبة فارجا خلال حفل عشاء بدا في ظاهره “مجرد تجمع ودي” في منزله في بودابست في تموز/ يوليو 2018، كما قال لـ”لجنة حماية الصحافيين”، بعد فترة وجيزة من فوز فيكتور أوربان بولاية ثالثة على التوالي رئيساً للوزراء. كان فارجا هدفاً مطلوباً للمراقبة، وكان لدى أحد الحاضرين على الأقل آثار لبرنامج بيغاسوس على هاتفه، وفقاً للتحليل الجنائي. قال فارجا للجنة حماية الصحافيين “استخدام هذا النوع من التكنولوجيا في مثل هذه الحالة بالنسبة إلي، يظهر مدى خوف الحكومة من خصومها”.

بالطبع ليست برامج التجسس التي تُباع سراً هي الأداة الوحيدة التي تستخدمها السلطات الحكومية للتجسس الرقمي عالي التقنية. فعلى سبيل المثال؛ إذ لم يُبلّغ سوى عن القليل من الاستخدام واسع النطاق لبرامج التجسس الموجهّة في دول مثل الصين وميانمار، واللتين تُعرفان بأنهما أكبر دولتين في العالم في موضوع سجن الصحافيين، بحسب ما جاء في إحصاءات “لجنة حماية الصحافيين” للسجون لعام 2021.

لدى الصين أساليب مراقبة محلية لتتبّع مواطنيها بشكل عام، بجانب مجموعات محددة مثل مراسلين بعينهم. في أواخر عام 2019، بدأت السلطات الصينية في مطالبة الصحافيين الراغبين في الحصول على بطاقات مزاولة مهنة الصحافة بتحميل تطبيق يسمى Study the Great Nation، والذي يؤدي دور برنامج التجسس بشكل فعال. وفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”، وجدت مبادرة Open Technology Fund التابعة لمبادرة Radio Free Asia أن إصدار أندرويد من التطبيق، “يجمع ويرسل تقارير سجلات مفصلة يومياً، تحوي ثروة من بيانات المستخدم ونشاطه على التطبيق”. في حزيران، وجد تحقيق أجرته صحيفة “نيويورك تايمز: أن السلطات الصينية جمعت بيانات شخصية عن مواطنيها أكثر مما كان معروفاً في السابق. وذكر التقرير أن “أجهزة تتبع الهاتف موجودة الآن في كل مكان”. كما تُنشئ الشرطة ما يمكن اعتباره أكبر قواعد بيانات الحمض النووي في العالم. وتعتمد السلطات على تقنية التعرف على الوجه لجمع البصمات الصوتية لعامة الناس”.

في ميانمار؛ لم تتمكن “لجنة حماية الصحافيين” من التأكد من استخدم برامج التجسس للحصول على معلومات حول عشرات الصحافيين المعتقلين، والمحتجزين منذ الانقلاب العسكري في شباط 2021، أو ما إذا كانت هذه البيانات قد جاءت من بيانات التحليل الجنائي المستخرجة من الهواتف عند نقاط التفتيش. ومع ذلك، يظل الصحافيون المحليون مدركين بشدة للتهديد المتمثل في استمرار وصول السلطات العسكرية إلى تقنيات المراقبة التي اشترتها الحكومة المدنية العسكرية السابقة.

قال دومينيك أو، وهو الاسم المستعار الذي يستعمله مراسل محلي حر من يانغون في المنشورات المحلية والأجنبية على حد سواء لأنه يخشى الانتقام العسكري، “لقد ولت منذ زمن طويل الأيام التي يمكنني فيها التجول في المدينة وإجراء مقابلات مع الأشخاص أو مجرد الاتصال بأحد الأشخاص عبر هاتفي، لأن هذا من شأنه أن يعرض كلا الطرفين للخطر”. وقال أو لـ”لجنة حماية الصحافيين”: “يعيش الصحافيون المحليون الذين ينقلون الحقيقة حول وحشية المجلس العسكري في كابوس بائس”.

قال نيان لين هتيت- محرر وكالة أنباء ميكونغ المستقلة- للجنة حماية الصحافيين عبر تطبيق مراسلة إن الصحافيين كانوا على علم بالتقارير التي تفيد بأن جيش ميانمار يستخدم برامج التجسس وغيرها من تقنيات التتبع لمراقبة مكالمات الصحافيين والنشطاء. وأضاف قائلاً: “نشعر بعدم الأمان تماماً في استخدام المكالمات الهاتفية المباشرة، واضطررنا إلى تغيير طريقتنا في جمع الأخبار”.

“يتمثل تأثير هذه المراقبة في أنها تجعل من الصعب جمع الأخبار والبيانات والمعلومات، ويظهر ذلك خصوصاً في التحقق من التقارير لأن معظم الناس في المناطق الريفية ليسوا على دراية بتطبيقات المراسلة المشفرة”.

الاشتباك مع عدو خفي

لأن برامج التجسس يمكن أن تكون مفرطة في التخفي، فمن المستحيل معرفة عدد الصحافيين المخترَقين.

قال ستيفن أدير – الرئيس التنفيذي لشركة Volexity، وهي شركة للأمن السيبراني تقدم خدمات التحليل الجنائي لوكالة “أسوشييتد برس”- في مقابلة مع “لجنة حماية الصحافيين”، إن الحصول على مثال محدد لبرامج التجسس المثبتة في الهاتف أمر “في غاية الندرة؛ إذ لا توجد طريقة فعالة حقا لتتبع الكثير من البرامج الضارة، ولا توجد طريقة فعالة ومؤكدة لفحص الهواتف. بشكل عام، لا يستطيع أحد أن يأتي إليك قائلاً: “هاتفي تعرض للاختراق،نظراً إلى عدم وجود أي اختبار تشخيصي يمكنك تشغيله ليخبرك أن هاتفك مخترق”.

أجرى سكوت رايلتون من “سيتزن لاب” تقديراً تقريبياً، بناءً على تحقيق في اختراقات “واتساب”، عام 2019؛ وخلال أسبوعين من المراقبة، وجد “سيتزن لاب” أن 1400 من مستخدمي “الأندرويد” مخترقون ببرنامج بيغاسوس (جدير بالذكر أن الاختراق لم يكن يتم في جميع الحالات دون النقر على رابط). بافتراض حدوث اختراقات لأجهزة “آيفون” بالمعدل نفسه، والتي تصل إلى 2800 حالة اختراق في أسبوعين، يكون المعدل 75 ألف حالة اختراق سنوياً؛ وقال سكون “هذا فقط ببرنامج بيغاسوس”، وأضاف: “نحن نشهد أدنى مستوى من الأمان في مهنة الصحافة”.

جون سكوت رايلتون – كبير الباحثين في مجموعة سيتزن لاب في جامعة تورنتو – يدلي بشهادته أمام لجنة الأمن السيبراني في مجلس الشيوخ البولندي في وارسو مع زميله بيل ماركزاك يوم الاثنين، 17 كانون الثاني/ يناير 2022 (AP Photo / Czarek Sokolowski)

يقول خبراء الأمن في مؤسستي “رويترز” و”أسوشيتد برس” – اللتين يعمل فيهما آلاف الصحافيين حول العالم – إنهم يعتبرون برامج التجسس تهديداً محتملاً كبيراً، إلا أنهم لم يروا الكثير منها في الممارسة العملية. وقال كريستي من وكالة “رويترز”، “لدينا 4000 صحافي يعملون لدينا، وهم مقسمون بين موظفين بدوام كامل، وموظفين يعملون بالقطعة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالبرامج الضارة وبيغاسوس وما شابه، يكون من الصعب جداً تحديد حجم التهديد”.

قد يكون عدم اليقين هذا هو الجانب الأكثر ضرراً في برامج التجسس. على المدى الطويل، قد يقرر الصحافيون الذين يشعرون بالتهديد من عدو غير مرئي قد يعرض مصادرهم وحياتهم الخاصة للمراقبة العامة، الابتعاد من التحقيقات المثيرة للجدل، وتقليص نطاق تغطية منشوراتهم، وهو ما يعني توجيه ضربة قاضية لحرية الصحافة.

وقال فينو من The Wire للجنة حماية الصحفيين: “بدت جميع الحوادث السابقة في التصنت على الهاتف عملاً هينا مقارنة بهذا؛ في وقت سابق كان يمكنهم فقط التنصت على محادثة واحدة، ولم يكن بإمكانهم أن يروا ما تفعله في غرفة نومك أو حمامك. أما الآن، فالخوف من التجسس قد يؤدي إلى “الرقابة الذاتية”، وعندما يتعرض شخص ما لهجوم شديد، يمكن لهذا الصحافي أن يبدأ في ممارسة عمله بطريقة تبعده من الخطر”.

تتضافر عوامل عدة تجعل من الصعب العثور على برامج التجسس على الهواتف. الهواتف نفسها مصممة بحيث يصعب اختراقها، ما يجعلها منيعة ضد البرامج الضارة المزعجة متدنية المستوى، ولكن المفارقة هي أنها تجعل من الصعب ابتكار حماية من برامج التجسس. تحدث عمليات الاختراق ببرامج مثل “بيغاسوس” أيضاً بشكل خفي وصامت، برغم أن المخترقين أفادوا بأن هواتفهم “تسخن بشدة” في بعض الأحيان، أو أن عمر بطارية الهاتف يكون أقصر من المعتاد. ونظراً إلى أنه من المحتمل محو برامج التجسس عند تحديث الهاتف أو إعادة ضبط نظامه، فمن الصعب على خبراء الأمن فحصها ودراستها.

كان على فريق التحليل الجنائي في منظمة العفو الدولية أن يعمل بقوة للتغلب على هذه القيود خلال تحقيقات مشروع بيغاسوس. لم تتضمن شهادتهم كود بيغاسوس ولا أي ملاحظة للبرنامج قيد التشغيل. بدلاً من ذلك، استخدم الفريق عدة مؤشرات غير مباشرة على أن بيغاسوس كان نشطاً على الهاتف في وقت سابق. لقد استخدموا الخاصية التي تتيحها هواتف آيفون التي تتعقب أنواعاً معينة من النشاط على نظام تشغيل الهاتف للإبلاغ عن “العمليات المشبوهة” المتوافقة مع الإصابة ببرنامج بيغاسوس. وجد الفريق سجلات لعناوين مواقع الويب التي من المعروف أن برنامج بيغاسوس يستخدمها. ووجدوا سلوكاً مشبوهاً آخر يتعلق بتطبيقات Apple iMessage وiMusic وFacetime، والتي كانت  نقاط ضعفها معروفة.

وقال ماينير لـ”لجنة حماية الصحافيين”: “ما وجدناه هو أن النسخ الاحتياطية لأجهزة آيفون والعديد من السجلات الأخرى بها بعض البيانات التي تحتفظ بآثار عمل برنامج بيغاسوس. ومذ انتقلت إن إس أو عام 2018 إلى هجمات لا تتطلب أي نقر على روابط، صار التتبع الجنائي أكثر صعوبة”.

تشكل الحماية من برامج التجسس تحدياً مماثلاً.

في غياب معلومات موثقة حول عدد الاختراقات التي تعرض لها الصحافيون، ركزت وكالتا “رويترز” و”أسوشييتد” برس على التأكد من اتخاذ كافة الاحتياطات الأمنية الممكنة، مع التشديد على الحاجة إلى توعية الصحافيين بالمخاطر. تنصح “أسوشييتد برس” مراسليها بالاحتفاظ بهواتف منفصلة للعمل والاستخدام الشخصي. كما تقوم أيضاً بتثبيت برنامج “إدارة الأجهزة المحمولة” على هواتف عمل المراسلين، ما يسمح لموظفي الأمن بمراقبة الهواتف بحثاً عن أي نشاط مشبوه. قال أنكور أهلواليا- أحد أعضاء فريق الأمن في وكالة “أسوشييتد برس”- “في ما يتعلق بتتبع بيغاسوس، نحن لا نملك فعل أي شيء في هذا الصدد في الوقت الحالي؛ إذ إن مجموعات الأدوات المتاحة للقيام بذلك من بُعد محدودة للغاية”.

يوصي فريق السلامة الرقمية في “لجنة حماية الصحافيين”، بأن يتخذ الصحافيون دائماً تدابير مثل تحديث أنظمة التشغيل والتطبيقات والمتصفحات الخاصة بهم، وتذكير الأهداف عالية الخطورة بامتلاك العديد من الهواتف والتنقل بينها، وهي التي، ربما توجب عليهم تغيير هواتفهم كل أسبوع أو شراء هواتف منخفضة التكلفة مرة كل بضعة أشهر.

يحذر هارلو هولمز – كبير مسؤولي أمن المعلومات ومدير الأمن الرقمي في مؤسسة Freedom of the Press Foundation الأميركية غير الربحية – من الاستسلام للشعور بالعجز؛ ويقول: “أرى الكثير مما أسميه العدمية الأمنية، حيث يقول بعض الناس: “الأمر ليس بهذه الخطورة”؛ أقول لكم كان لدي مشغّل كلمات مرور، وتحقق بخطوتين. لقد فعلت هذه الأشياء لحماية نفسي؛ وماذا كانت النتيجة؟ لا يزال الجميع يتعرضون للاختراق ببرنامج بيغاسوس. بصفتي مدافعاً عن الأمن الرقمي في غرف الأخبار، فهذا شيء أشعر حياله بقلق حقيقي”. يدعو هولمز إلى “تقسيم” الاستخدام بين هواتف مختلفة للعمل والحياة الشخصية؛ “على مديري غرفة الأخبار ومحرريها- وأي شخص يتحكم في الميزانية – أن ينتبه لذلك”.

خيارات محدودة

تبيّن صعوبة قدرة الأفراد على الدفاع عن أنفسهم ضد برامج التجسس أن الحكومات والمؤسسات العالمية يجب أن تتدخل. من غير المرجح أن تختفي تكنولوجيا المراقبة، والطلب عليها؛ ومن ثم يتمثل التحدي الآن بالنسبة إلى الحكومات والمدافعين عن الحقوق في إيجاد أساليب لتنظيم الصناعة، ومنع استخدام منتجاتهم لقمع حرية التعبير وغيرها من الحقوق.

يعتقد ديفيد كاي – أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا في إيرفين والخبير الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير – أن الوقت قد حان لكي تحظر الحكومات برامج التجسس لانتهاكها القانون الدولي لحقوق الإنسان. وكتب في عمود للجنة حماية الصحافيين: “لا ينبغي أن تمتلك أي حكومة مثل هذه الأدوات، ولا ينبغي أن تتمكن أي شركة خاصة من بيع مثل هذه الأدوات إلى الحكومات أو غيرها”.

تشمل التدابير المحتملة الأخرى المقترحة للحد من استخدام برامج التجسس ما يلي:

* وقف بيع أدوات المراقبة واستخدامها ونقلها، لحين تنفيذ اللوائح التي تحترم حقوق الإنسان، على النحو الذي دعت إليه أكثر من 180 منظمة مدنية وخبير مستقل، بما في ذلك “لجنة حماية الصحافيين”.

* وضع قيود على الواردات والصادرات: فرضت الولايات المتحدة قيودا على الواردات على مجموعة إن إس أو، ويتزايد الضغط في الاتحاد الأوروبي لتنفيذ لائحة (قانون الاتحاد الأوروبي) بشأن تصدير تقنيات المراقبة ذات الاستخدام المزدوج من قبل الشركات الموجودة في الاتحاد الأوروبي. يسعى هذا التشريع القانوني إلى منع الصادرات من التسبب في الإضرار بحقوق الإنسان في البلدان التي يُستهدف فيها الصحافيون ويتعرضون للتجسس والمراقبة بسبب عملهم.

* معاهدة منظمة دولياً تسمح بالبيع فقط للحكومات الموقعة عليها، والتي تتعهد بالامتثال لقواعد استخدام برامج التجسس؛ اقترح نائب رئيس مجموعة إن إس أو للامتثال -شايم غيلفاند- في جلسة استماع في حزيران نسخة من “اتفاقية الحد من الانتشار” على البرلمان الأوروبي.

* تحميل مصنعي برامج التجسس المسؤولية القانونية عن المراقبة غير المشروعة باستخدام برامجهم، كما هو الحال في الدعاوى القضائية المرفوعة من شركة “آبل” ومالك “واتساب” و”فيسبوك”، ضد مجموعة “إن إس أو”، بعدما اخترق برنامج “بيغاسوس” هواتف المستخدمين عبر أجهزة شركات التكنولوجيا ومنصاتها.

ومع ذلك، فإن هذه الاستجابات المتباينة لا تترك أمام أولئك المستهدفين بالتجسس سوى خيارات محدودة لتطبيق المساءلة والعدالة.

أحد الأسباب هو أن برامج التجسس انتشرت بسرعة كبيرة لدرجة أن العديد من الحكومات ليس لديها الهياكل القانونية والتنظيمية المعمول بها لمحاسبة المخالفين. والسبب الآخر هو أنه نادراً ما يتمكن الضحايا حتى من إثبات هوية من يتجسس عليهم/ دون تعاون من شركات برامج التجسس نفسها، والتي بالطبع ترفض دائماً تحديد هوية عملائها، بناء على اتفاقيات عدم الكشف ومطالبات الأمن القومي.

غالبًا ما يعتمد الضحايا والمجتمع المدني الذين يسعون إلى إجراء تحقيقات على الحكومات للتحقيق مع نفسها بشفافية. لأنه إذا حدث تدخل من خارج الحدود الوطنية، فقد تكون المقاضاة أو السعي للحصول على تعويضات مدنية، من الأمور الصعبة، بخاصة إذا كانت الدولة المخالفة سلطوية أو لديها تاريخ من التهرب والمساءلة.

حتى في المجتمعات الديموقراطية، قد تكون الإرادة السياسية لتقييد برامج التجسس غير موجودة. يشير تحقيق في نيويورك تايمز إلى أن بيغاسوس ساعد السلطات المكسيكية في القبض على خواكين جوزمان لويرا، تاجر المخدرات المعروف باسم إلشابو El Chapo، وأن المحققين الأوروبيين استخدموا البرنامج للكشف عن المؤامرات الإرهابية ومكافحة الجريمة المنظمة. ومن ثم تُحجم الحكومات عن فقدان هذه القدرة على المراقبة واستخدامها لمصلحتها، وقد يكون كثر من المواطنين مستعدين للتضحية بمعلوماتهم الخاصة تحت شعار حماية الأمن القومي.

التحدي الآن هو ما إذا كان بإمكان المشرعين والمدافعين عن الحقوق صياغة مجموعة عالمية فعالة من القوانين واللوائح والوعي والحلول التكنولوجية لمنع إساءة استخدام تقنيات المراقبة، وما إذا كان بإمكانهم فعل ذلك قبل أن تتضرر قدرة الصحافيين على أداء وظائفهم بشكل لا يمكن إصلاحه من جراء التهديدات لسلامتهم ومصادرهم.

عن المؤلف

فريد جوترل صحافي ومحرر حائز على جوائز، يغطّي قضايا العلوم والتكنولوجيا منذ أكثر من 30 عاماً. يعمل حالياً محرر مشاريع خاص لمجلة “نيوزويك”، وهو محرر تنفيذي سابق لمجلة “ساينتفك أميركان”، ومؤلف كتاب “مصير الأنواع: لماذا يتسبب الجنس البشري في انقراضه وكيف يمكننا إيقافه“.

هناك مساهمات إضافية جاءت من جان ألبرت هوتسن في مكسيكو سيتي، كونال ماجومدر في نيودلهي، أتيلا مونغ في برلين، أليسيا سيكانيز في واشنطن، شون كريسبين في بانكوك، توم جيبسون في بروكسل، إيريس هسو في تايبيه، موثوكي مومو في نيروبي، جوناثان روزن في نيويورك، جوستين شيلاد وناتالي ساوثويك في نيويورك.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى